فصل: الأول في حكمها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


كتاب الشهادات‏.‏

شهد في لسان العرب له ثلاثة معان، شهد بمعنى علمِ، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وكنًا لحُكْمِهم شاهِدِين‏)‏ ‏(‏والله على كلً شيء شهيدُ‏)‏ أي عليم، وبمعنى أخبر، ومنه‏:‏ شهد عند الحاكم، أي أخبر، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏قالوا نَشْهَدُ إنك لَرسول الله‏)‏ و‏(‏شهدَ الله أنهُ لا إلهَ إلًا هُو‏)‏ إن فسر بمعنى أخبر، وشهد بمعنى حضر ومنه‏:‏ شهدنا صلاة العيد، وشهد بدرًا‏.‏ وشهود القضاء تجتمع فيهم الثلاثة، لأنهم يعلمون ويخبرون عند الحاكم‏.‏

قال في التنبيهات‏:‏ شروط الشهادة العادلة الجائزة في كل شيء ثمانية‏:‏ العقل، والبلوغ، والذكورة، والحرية، والإسلام، والعدالة، وضبط الشهادة حين الأداء وحين السماع، وانعدام التهمة‏.‏

وفي الكتاب تسعة أبواب‏:‏

الأول في حكمها

قال ابن يونس‏:‏ قال بعض العلماء‏:‏ الشهادة فرض على الكفاية، يحملها بعض الناس عن بعض كالجهاد، إلا في موضع ليس فيه من يحمل ذلك ففرض عين، وقال مالك في قو له تعالى‏:‏ ‏(‏ولا يَأبَ الشهداءُ إذا ما دُعُوا‏)‏ معناه‏:‏ إذا دعوا للأداء، وقال عطاء‏:‏ معناه‏:‏ الأداء والتحمل، وقال سفيان في قو له تعالى‏:‏ ‏(‏ولا يُضَارً كاتبُ ولا شهيدُ‏)‏ يطلبه في حال شغله، وقال سحنون‏:‏ وكل من يعلم أنه لا يقبل بجرحة أو تهمة أو غيره لا تلزمه الشهادة، وإن شهد فيخبر الحاكم أنه عدو المشهود عليه، أو قريب المشهود له، ولا يخبر بالجرحة، لأن المجاهرة بالذنوب حرام‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ يخبره، لأن السكوت غش للحاكم، كما لو كان عبدًا أو نصرانيًا، له الإخبار بذلك‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ مذهب مالك في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأشْهدُوا إذَا تَبَايَعْتُم‏)‏ الندب في الشهادة على البيع، وأوجبه بعض الظاهرية لأن الأمر للوجوب، وجوابه‏:‏ قوله تعالى ‏(‏وإن كنُتم على سفر ولم تَجِدُوا كاتبًا فرِهانُ مقبوضةُ فإنْ أمِنَ بعضُكُم بعضلً فلْيُؤَدً الذي أؤتُمِنَ أمانَتَه‏)‏ فقد جوز الائتمان بعدم الإشهاد، فتعين ترك الوجوب والحمل على الندب، لأنه أقرب إليه‏.‏ والإشهاد في الدين مندوب أيضًا لقوله تعالى ‏(‏إذَا تَدَايَنتْمُ بدَيْنِ‏)‏ الآية، ويحمل على الندب قياسًا على البيع‏.‏ واللعان لا يكون إلا بمحضر الناس لانقطاع نسب الولد وغير ذلك، وفي النكاح مندوب ابتداء، وإنما يجب عند الدخول وفي الرجعة‏.‏

الثاني في التحمــــُل

قال صاحب المقدمات‏:‏ هو فرض كفاية، فإن لم يكن بالموضع غيرك تعين عليك، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأقيمُوا الشهادة لله‏)‏

وفي الباب تسعة فروع‏:‏

الفرع الأول

في الكتاب‏:‏ يجوز تحمل الصبي والكافر والفاسق، ويؤدون بعد زوال هذه الأوصاف، لأن المقصود هو الوثوق بالشاهد عند الأداء‏.‏

الفرع الثاني

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا سبقتاك عمن ينوب فيه فأقر عند الحاكم، أو تشهد به البينة ففرق بينة وبين امرأته فنفى أن لا شيء عليه، فطلبت المرأة شهادتك فلم تشهد، قال محمد‏:‏ ولو شهدت لم ينفعها لمخالفة إقراره لشهادتك، وما أقربه عندك من طلاق أو حد فليشهد عليه فيما لا يتمكن من الرجوع عنه، وكذلك من حضر عندك إذا لم يخف عنده من القصة شيء يفسد تركها الشهادة، لأن المقصود في التحمل حصول سبب يفيد العلم ولا لسماع يفيده‏.‏

الفرع الثالث‏:‏

لو قعد الشاهدين من وراء حجاب يشهدان على رجل، قال مالك‏:‏ إن كان ضعيفًا أو مختدعًا أو خائفًا لم يلزمه، ويحلف‏:‏ ما أقر إلا بما يذكر، وإلا لزمه ولعله يقر خاليًا وينكر عند البينة فيحتاج لذلك إذا لم يخف شيء من كلامه، أو لعله يقول في السر‏:‏ ما الذي لي عندك إذا جئتك بكذا، فيقول‏:‏ عندي كذا‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ إذا سمعه يقذف شهد عليه، زاد في كتاب الحدود‏:‏ إذا كان معه غيره لئلا يحد إذا لم يكمل النصاب، ولابد من استيفاء البينة لاحتمال أن يحكي ذلك عن غيره، وفي الكتاب‏:‏ يجوز التحمل بما يسمعه وإن لم يؤذن لك بخلاف الشهادة على الشهادة، ويخبر بذلك من له الشهادة، والفرق‏:‏ أن الإقرار على خلاف داعية الطبع، فالغالب أنه لا يقع إلا محررًا، والشهادة لا يتساهل فيها قبل وقت الأداء فامتنع أو زاد أو نقص عند الأداء والعادة تدل على ذلك وفي التنبيهات‏:‏ في الجوار يقلن سمعناهما يشهدان غيرهما لم يشهدا لاحتمال أن يعلما من الأولين أنهما لا يؤديان شهادة عنهما، يشهدان عند الحاكم خلاف قال‏:‏ والحق أنهما سواء في جواز الشهادة‏.‏

الفرع الرابع

في الجواهر‏:‏ لا يجوز تحمل الشهادة على المرأة المتنقبة، بل لابد من كشف وجهها ليعرفها ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ عند الأداء بالمعرفة المحققة‏.‏

الفرع الخامس

في البيان‏:‏ إذا شهدت على من لا تعرف مع جماعة جاز لأمنك التلبيس بمعرفة من معك، وإلا فيكره لئلا يتسمى باسم غيره، ويحصل لك الموت فيشهد على

خطك، ومن يشهد على من لا يعرفه بالعين والاسم، فلا يشهد عليه بتلك الشهادة بعد موته، ولا يؤديها إلا في حياته على عينه، وكذلك لا يشهد على شهادة إلا على عينه، وهذا كله متفق عليه وإن علم أنه لا يقف على عين المشهود له إذا غاب عنه، وهي شهادة لا منفعة فيها، وإنما تسامح العلماء في وضع الشهادة على من لا يعرف بعينه واسمه سياسة منهم في دفع العامة لئلا يعتقدوا أن تلك الشهادة لا تنفع، فيقدموا على الإنكار ففي جهلهم بتلك صلاح عظيم، قال ابن القاسم‏:‏ إذا شهد عندك عدلان أن هذه المرأة فلانة، فلا يشهد عليها لعدم العلم بها، بل على شهادتهما، وعن مالك‏:‏ لا يشهد على شهادتهما، قال‏:‏ والحق إن كان المشهود له التي لك فهما يشهدان أنها فلانة، فلا تشهد إلا على شهادتهما، وإن كنت أنت سألتهما عنهما جاز لك عليها إذا وقع لك العلم بشهادتهما‏.‏

الفرع السادس

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يجوز أن تشهد عما في كتاب، وأن يحفظ ما فيه إذا قرئ عليك، لأن حفظه متعذر إذا كنت من أهل الفطنة بما في الكتاب إذا قرئ عليك وهذا في الاسترعاء، وأما ما شهد به المتعاملان على أبقيتهما فليس عليك أن تقرأه‏.‏ ولا تقرأ عليك، ويكفيك أن تذكر أنهما أشهداك على ما في هذا الكتاب، ويستحسن للعالم القراءة لئلا يكون فيه فساد فيزيله‏.‏

الفرع السابع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أتاك بذكر حق عليه لغائب يشهدك على نفسه للغائب بذلك، لا يشهد، لأنه قد يزيد بذلك إثبات الخلطة بينه وبين الغائب حتى يدعى عليه، ولكن يكتب القصة على وجهها فيقول‏:‏ إنه غائب‏.‏

الثالث في مستند الشاهد‏.‏

الأصل فيه العلم اليقين لقوله تعالى ‏(‏إلًا مَنَ شهِد بالحقً وهُم يَعْلَمُون‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَمَا شَهدْنَا إلًا بِمَا عَلمْنَا‏)‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ كل من علم شيئًا بوجه من الوجوه الموجبة للعلم شهد به، وكذلك صحت شهادة هذه الأمة لنوح عليه السلام ولغيره على أممهم بإخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحت شهادة خزيمة ولم يحضر الفرس‏.‏

ومدارك العلم أربعة، من حصل له واحدة منها شهد به‏:‏ العقل مع أحد الحواس الخمس، والخبر المتواتر، والنظر، والاستدلال، مثله شهادة أبي هريرة أن رجلا قاء خمرًا، فقال له عمر‏:‏ تشهد لأنه قال‏:‏ اشهد أنه قاءها، فقال عمر - رضي الله عنه -‏:‏ ما هذا التعمق‏؟‏، فلا وربك ما قاءها حتى شربها ومنه شهادة الطبيب ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بقدم العيب والشهادة بالتواتر كالنسب وولاية القاضي وعزله، وضرر الزوجين، وفي الجواهر‏:‏ تقبل شهادة الأصم في الأفعال، والأعمى في الأقوال‏.‏

وفي الباب خمسة فروع‏:‏

الفرع الأول

في الجواهر‏:‏ الشهادة على الخط ثلاثة أقسام‏:‏ أقواها‏:‏ الشهادة على خط‏.‏

/ نفسه، فمن أجاز ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ جاز الأولين، وَمَن مَنع الأخيرين، وفي حكاية الخِلاف طريقان‏:‏ الأولى على جهة الجمع، ففي الأقسام الثلاثة أربعة أقوال‏:‏ المنع مطلقاَ، تجوز الشهادة على خط المقر وحده، تمنع شهادة الشاهد على خط نفسه ويَجوز غيره الجواز مطلقاَ، الطريق الثانية‏:‏ التفصيل، أما الشهادة على خط المقر‏:‏ فالمذهب كالشهادة على الإقرار، فيحكم له بمجردِها، ورُوى‏:‏ لا يحكم بها حتى يحْلف معها، لأنها لم تتناول المال بل ما يجري إليه، ويتخرج على الروايتين‏:‏ إذا شهد واحد هل يحلف معه ويستحق أم لا، قال الشيخ أبو الوليد‏:‏ المشهور جواز هذه الشهادة وعمومها، لم يختلف فيه قولُ مالك ولا قولُ أصحابه إلا ابن عبد الحكم، منع الشهادة على الخط، ولم يخصص ولم يبين موضعها، وأما على خط الشاهد الميت أو الغائب‏:‏ فقال الشيخ أبو الوليد‏:‏ لم يختلف في الأمهات المشهورة قولُ مالك في إجازتها وإعمالها، ورُوى عدمُ الجواز، وجعل الشهادة على الخط كالشهادة على شهادته إذا سمعها منه ولم يشهد، وقد يكتب خطه بما يستريبُ فيه عند الأداء، وقد يكتب على مَن لا يعرفه إلا بعينه، وقد لا يعرفه بعينه ولا باسمه، والفرق على المشهور‏:‏ أن الرجلَ قد يخبر بما لا يحققه، ولا ينبغي للرجل أن يكتب خطه، حتى يتحقق ما شهد عليه، ويعرف من اشهدهُ بالعين والاسم مخافةَ أن يغيب أو يموت فيشهد على خطه، فأشبه ذلك مَن يسمع الشاهد يؤدي عند الحاكم أو يشهد عليها غيره أنه يشهد على شهادته وإن لم يُشهده، قال الشيخ أبو الوليد‏:‏ والقول الأول اظهر، لأنه قد قيل‏:‏ لا يشهد على شهادته حتى يشهدهُ عليها أو سمعه يؤديها عند الحاكم، أو يُشهد عليها غيره، مع أن وضع الشاهد شهادتَه في الكتاب، لا يقوَى قوةَ ذلك، قال‏:‏ وقد قال ابنُ زَرب‏:‏ لا تجوز الشهادة على خط الشاهد حتى يعرف أنه كان يعرف من

/ أشهده معرفةَ العين، قال الشيخ أبو الوليد‏:‏ وذلك صحيح لا ينبغي أن يختلف فيه؛ لما قد تساهل الناسُ فيه من وضع شهادتهم على من لا يعرفون، قالها أحمد بن حارث في وثائق ابن مغيث‏.‏

فـرعان مرتبان‏:‏

الأول، اختلفوا في حد الغيبة التي تجوز فيها الشهادة على خط الشاهد، قال عبد الملك‏:‏ مسافة القصر، وقال أصبغ، نحو إفريقية من مصر أو مكة من العراق لأن مسافة القصر يمكن حضوره منها، وقال سحنون‏:‏ الغيبة البعيدة ولم يحددها‏.‏

الثاني، فإذا جازت‏:‏ قال مطرف وعبد الملك‏:‏ إنما تجوز في الأموال حيث تجوز للشاهد واليمين، وعن مالك‏:‏ إذا كتب لها زوجها بالطلاق فشهدا على خطها، قال‏:‏ نفعها ذلك واختلف في قوله‏:‏ نفعها ما يريد به ليستحلف أو يطلق عليه، قال صاحب البيان‏:‏ الصواب الطلاق إذا كان الخط بإقراره إنه طلقها؛ قال‏:‏ أن يكتب لرجل يعلمها أنه طلقها وأما إن بطلاقه إياها ابتداء فلا يحكم به، إلا أن يقر أنه كتبه مجمعًا على الطلاق، وفي قبول قوله‏:‏ إنه كتب غير مجمع بعد أن أنكر كتبه خلاف، وفي الجواهر‏:‏ وأما شهادة على خطه إذا لم ينكر الشهادة، وفي الواضحة‏:‏ إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئًا منها وليس في الكتب محو ولا ريبة فليشهد، وإن كان فيه ريبة فلا، قال‏:‏ ثم رجع، فقال‏:‏ لا يشهد حتى يذكر بعض الشهادة أو ما يدل منها على أكثرها، قال مطرف وبالأول أقول، ولابد للناس من ذلك، وقاله عبد الملك والمغيرة وابن أبي حاتم وابن دينار، وإن لم يحط بما في الكتاب عددًا فليشهد، وقاله أيضًا ابن

/ وهب وابن عبد الحكم، واختاره أيضًا سحنون في نوازله، وقال ابن القاسم وأصبغ بالقول الثاني أنه يشهد، قال ابن حبيب‏:‏ وهو أحوط، والأول جائز‏.‏

تفريغ‏:‏ أما على القول فيشهد ولا يقول‏:‏ لا أعرف إلا الخط، ويشهد أن ما فيه حق، وذلك لازم له أن يفعله، وإن ذكر للحاكم أنه لا يعرف إلا الخط لا يقبلها الحاكم، وعلى الثاني الذي رجع إليه مالك‏:‏ فروى عنه أشهب‏:‏ يرفعها للسلطان على وجهها أو يقول‏:‏ إن كتابًا يشبه كتابي وأظنها إياه وليست أذكر شهادتي ولا أني كتبتها، يحكي ذلك على وجه، ولا يقضى بها قبل، وإن لم يكن في الكتاب محو وعرف، قال قد يضرب على خطه وإن لم يذكر الشهادة فلا يشهد، قال الإمام أبو محمد‏:‏ كان القاسم بن محمد إذا شهد شهادة كتبها، وكان مالك يفعله ومن لا يعرف نسبه فلا بد من الشهادة على عينه، ولا يجوز تحمل الشهادة عن المرأة المتنقبة، بل لابد من الكشف عن وجهها يميزها عند الأداء بالمعرفة المحققة، ولو عرفها رجلان لا يشهد عليها بل على شهادتها أن فلانة أقرت، وذلك عند تقرر الأداء منهما، لأنه فرعهما، وعن مالك‏:‏ يشهد، قال الشيخ أبو الوليد‏:‏ والذي أقول به‏:‏ إن كان المشهود له أتاه بالشاهدين ليشهدا له عليها، ولا يشهد إلا على شهادتهما، وإن سأل هو الشاهدين فأخبراه أنها فلانة، شهد عليها، قال‏:‏ وكذلك لو سأل عن ذلك رجلًا واحدًا يثق به أو امرأة، لأنه من باب الخبر، ولو أتاه المشهود له بجماعة من لفيف النساء فيشهدون عنده أنها فلانة، لجاز أن يشهد إذا وقع له العلم بشهادتهن، وإذا شهدت بينة على عين امرأة بدين فزعمت أنها بنت زيد فليس للقاضي أن يسجل على أنها بنت زيد حتى يثبت ذلك بالبينة، وقال ابن مغيث‏:‏ لأصحاب مالك فمن عرف خطه ولا ينكر الشهادة خمسة أقوال‏:‏ يشهد إذا لم يسترب، ولا يشهد، يخبر بذلك الإمام فيفعل ما يراه، إن كتب الوثيقة كلها يشهد وإلا فلا، إن كانت الوثيقة كاغدًا لم يشهد

/10 تمـهيد‏:‏ خالفنا الأئمة في قَبول الشهادة على الخط وأن لا يعهد على الخط البينة محتجين بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقً وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏)‏ و‏(‏أنْ تَضِلً إحْدَاهُماَ َفتُذَكًرَ إحْدَاهُمََا الأُخْرَى‏)‏ فدل على وجوب الذكر، وحصول العلم، وقال - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏عَلَى مِثل هَذَا فاشْهَد يُشيرُ إلى الشًمْس وإلًا فَدَعْ‏)‏ والخط محتمل للتزوير والتغير بلا علم فلا تجوز الشهادة، وجوابُهم‏:‏ أن الكلام حيث علم أنه خطه وأنه لا يكتب بما يعلم، فيحصل من هاتين المقدمتين العلم بمضمون الخط، ويدل على ذلك قبول الصحابة وعمالهم لكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب الخلفاء من غير نكير، فكان ذلك إجماعًا، ولأنهم قالوا بالاعتماد على الخطوط في الرواية في الحديث، وهي تبني عليها أحكام ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ إلى قيام الساعة، وأما الشهادة فمتعلقة بأمر طري لا عموم فيه، فقبوله أولى ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بالخط ففي الاحتمال البعيد، كالاحتمال في تشابه الأشخاص والخلاف ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ عليهم لا يضر ذلك اتفاقًا، فكذلك هاهنا، ولأن الضرورة داعية إليه بموت الشهود ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قول الشاهد عن الواقعة بكثرة الشهادات، فوجب الجواز دفعًا للضرورة‏.‏

تفريع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا كتب خطه في ذكر حق على أبيه، فمات أبوه، وهو وارث، فقال‏:‏ كتبته على غير حق، وأنكره فشهد على خطه، قال أصبغ بهذا الحق، لأن المال انتقل إليه صارت الشهادة التي كتبها على نفسه، وقال عبد الملك‏:‏ لا يؤخذ الحق إلا بإقرار غير الخط، ومحمله محمل الشهادة لا تحمل الإقرار‏.‏

فــرع‏:‏ قال‏:‏ ولا تجوز الشهادة على الخط في كتاب القاضي، لأنه من الأحكام والأبدان‏.‏

فــرع

في الكتاب‏:‏ إذا عرف خطه لا يؤدي حتى يذكر الشهادة ولو قربها، وإلا أدى ذلك كما علم، ولا ينفع الطالب‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ إنما يؤدي كما علم، إذا كان على بصيرة أنه لم يكتب مسامحة، بل على صحة، فإن علم أنه كان في بعض الأزمنة، يسامح في الكتابة من غير صحة، فلا يؤدي شيئًا وجده بخطه لا يعلمه، ولا يؤدي أحد على خط غيره إلا إذا ثبت أنه عدل عند كتابة ذلك الخط، كالشهادة على الشهادة، لابد أن يكون الأصل عدلًا حين الشهادة عليه، وفي النكت‏:‏ إنما أمره بالدفع لأن الحاكم قد يرى إجازة ذلك، قال التونسي‏:‏ وفي كتاب محمد‏:‏ لا يرفعها، وقال سحنون‏:‏ إن لم يسترب في الكتاب رفعها وحكم بها‏.‏

الفرع الثاني

في الكتاب‏:‏ إذا شهد شاهدان بالسماع أن الميت مولى فلان، لا يعلمون له وارثًا غيره، وشاهد واحد أنه أعتقه، استؤني بالمال إذا لم يستحقه غيره أخذه مع يمينه، ولا يجر الولاء بشاهد واحد على السماع، ولا يقضى له المال وإن حلف، لأن السماع تنقل شهادة، ولا تجوز شهادة واحد على شهادة غيره، والشهادة على الأحباس جائزة لطول زمانها، يشهدون أنا لم نزل نسمع أن هذه الدار حبس، تحاز حوز الأحباس، وإن لم ينقلوا عن بينة معينين إلا بقولهم‏:‏ سمعنا وبلغنا، وليس في أحباس الصحابة - رضي الله عنه عنهم- إلا السماع، ولو شهدوا على السماع في حبس أن من مات من أهله لا يدخل في نصيبه امرأته، ولا ولد البنت، ولا زوجها إن ماتت، هو حبس ثابت، وإن لم يشهدوا على أصل الحبس، ولو لم يذكروا ذلك كله، وذكروا من

/ السماع ما يستدل به، في التنبيهات‏:‏ ليس من شرط السماع أن يسمع من العدول، بل من العدول وغيرهم حتى يستفيض، وقيل‏:‏ لا تعتبر الشهادة حتى يعرفوا أن الذين سمعوا منهم كانوا عدولًا، لأنه في معنى الشهادة، وقال بعض شيوخنا‏:‏ لا يختلف إذا كانت ينتزع بها، أنها لا تجوز إلا على السماع من العدول، وإن كانت للتقدير في يد الحائز فمختلف في اشتراط العدالة فيهم، وفي النكت‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ إن شهادة السماع بالعتق إن كانت بغير البلد فهي كالمال دون المولى عند ابن القاسم لاحتمال أن يستفيض عن رجل واحد، وبالبلد فيفيد استفاضة ذلك عن رجل واحد، فيقضى بالمال والولاء وقال في قول أشهب‏:‏ إذا شهدوا أنه لمولاه ولم يقولوا‏:‏ أعتقه، هذا التفصيل من أشهب وليس هو خلافًا لابن القاسم، وقال سحنون‏:‏ إذا شهدوا أن الميت مولاه لا بد في ثبوت الولاء أن يقولوا‏:‏ أعتقه أو أعتق أباه، أو على الميت أن هذا مولاه وقد غلب على الناس يقولون‏:‏ لمن هو وال، أو شريف نحو مواليك وإنما هم أهل ذمة اسلموا وقاله ابن القاسم، قال ابن يونس‏:‏ اختلف في شهادة السماع فعن ابن القاسم‏:‏ يؤخذ بها المال، ولا يثبت نسب ولا ولاء وعنه‏:‏ يقضى بهما، قال محمد‏:‏ ومن مات بغير بلده فشهد بالسماع أنه مولى فلان ولا يشهدون على العتق لا تجوز فيه شهادة السماع وقاله مالك، ويؤخر المال، فإن لم يوجد مستحق أخذه مع يمينه، قال ابن القاسم‏:‏ إن شهد أحد أعمامه أن فلانًا الميت مولى ابنه أعتقه، ولم يدع المولى ولدًا ولا موالي وإنما ترك مالًا جازت الشهادة لعدم التهمة وإن ترك ولدًا وموالي يتهمون على جر الولاء يومًا لم يجز، وقال مطرف وعبد الملك‏:‏ تجوز شهادة السماع فيما تقادم عهده من الأشربة والحيازات والصدقات ونحوه، فتجوز مع يمين الآخر، وإن لم يكن إلا شاهدين جاز، وقاله مالك، ولم يشهد في صدقة عمر - رضي الله عنه - إلا رجلان، قال مطرف وعبد الملك‏:‏ تجوز شهادة السماع في نحو خَمْسَ عَشَرَ سنة لتقاصر أعمار الناس إذا سمعوا من العدول، قال ابن القاسم‏:‏ إذا شهد اثنان بالسماع وفي القبيل مائة رجل من

/ أسنانهما لا يعرفون ذلك، لا يقبل إلا بأمر يفشو أكثر من اثنين، أما الشيخان القديمان فيجوز، قال في الجواهر‏:‏ قال ابن محرز‏:‏ إنما يقضى بالبقاء للحائز بشهادة السماع بعد يمينه، لأن أصلها قد يكون واحدًا فلا بد من اليمين معه، والمشهور في شهادة السماع‏:‏ الاكتفاء بعدلين، وقال عبد الملك‏:‏ لا بد من أربعة عدول، يشبهها بالشهادة على الشهادة، ولم ير في الموازية خمس عشرة سنة طولا تجوز الشهادة السماع وفي ثبوت النكاح والنسب والولاء بها خلاف، والمشهور‏:‏ ثبوت الجميع بها، ويشترط في الملك التطاول مع رؤية تصرفه تصرف الملاك بالبناء والغرس من غير منازع، ولا يكفي في الشهادة أنه حائز الدار حتى يقولوا‏:‏ بحق وأنها ملكه، وأما من يأتيه يشتري فلا تشهد له بالملك فقد يشتري بالوكالة، قال‏:‏ قال التونسي‏:‏ وشهادة السماع أجيزت للضرر لا يستخرج بها شيء من يد حائز بل مثبت للحائز، وفي المنتقى‏:‏ شهادة السماع عند مالك مختصة بما تقادم زمنًا تبيد فيه الشهود وتنسى الشهادة، قال القاضي أبو محمد‏:‏ تختص بما لا يتغير حاله ولا ينتقل الملك فيه كالموت والوقف، ولا يشهد على الموت إلا فيما بعد من البلاد، ومتى حصل العلم لم تكن شهادة سماع، بل يشهد الإنسان بدون العلم كما لو رآه، وجل أصحابنا يقول‏:‏ إذا فشا النكاح في الجيران وسمع الرفاق أو سمع النياحة في الموت وكثر بذلك القول شهد بالنكاح والموت وإن لم يحضرهما وكذلك النسب وتولية القاضي قال مالك‏:‏ ولا يكفي خمس عشرة سنة في تقادم المشهود به بالسماع قال صاحب القبس‏:‏ فما اتسع أحد في شهادة السماع اتساع المالكية في مواطن كثيرة الحاضر منها على الخاطب خمسة وعشرون موضعًا‏:‏ الأحباس، الملك المتقادم، الولاء، النسب، الموت، الولاية، الغرر، العدالة، الجرحة، ومنع سحنون ذلك فيها، قال علماؤنا‏:‏ وذلك إذا لم يدرك

زمان المجروح والمكان، فإن أدرك فلا بد من العلم، الإسلام، الكفر، الحمل، الولادة، الترشيد، والسفه، الهبة، البيع في حالة التقادم، الرضاع، النكاح، الطلاق، الضرر، الوصية، إباق العبد، الحرابة، وزاد بعضهم‏:‏ البنوة والأخوة، زاد العبدي‏:‏ الحرية والقسامة‏.‏

الفرع الثالث

في الجواهر‏:‏ ما لا يحس بالحس بل بقرائن الأحوال كالإعسار، يدرك بالخبرة الباطنة بقرائن الصبر على الجوع والضرر، ويكفي فيه الظن القريب من اليقين‏.‏

الفرع الرابع‏:‏

في الجواهر‏:‏ تجوز شهادة الأعمى في الأقوال خلافًا لـ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ لقوله - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏فكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يؤذن ابن أُم مَكْتوم‏)‏ فربط الحل والحرمة بسماع الصوت المعهود، وفرقوا بأن الأذان لا تتوفر الدواعي فيه على الحلة بخلاف الشهادة، والأعمى تلتبس عليه المحاكاة، وجوابهم‏:‏ أن المحاكاة التي يعتبر التمييز فيها إنما تقع في نحو الكلمة والكلمتين أما القول الطويل فلا، وكذلك لا يمنع الأعمى من الضبط، ولأن ‏(‏ح‏)‏ جوز شهادته في النسب والنكاح والموت، و‏(‏ش‏)‏ في الموت والنسب والترجمة لقول من لا يعرف الحاكم تفسير كلامه أو على من ترك أذنه على أذن الأعمى واعترف ويذهبان إلى الحاكم على تلك الحالة، فبقيت على هذه الصورة أقيم مقام الشهادة جواز وطء الرجل امرأته بناء على صوتها، واستباحة الفروج أعظم من الشهادة، ولأنه يجب العمل بما نقله إلينا أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة، وهن من وراء حجاب، وإذا جاز هذا في أصول الدين، جاز في فروعه،، احتجوا بقول تعالى‏:‏ ‏(‏إلا مَن شَهِدَ بالْحَق وَهُمْ يعلمون‏)‏ …

والأعمى لا يعلم، وبقوله تعالى ‏(‏وَأَشْهِدُوا ذويْ عَدْل مِنْكُمْ‏)‏ والأعمى ليس معتدلا، وبقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَاخْتلاَفُ أَلسِنتِكُمْ وألوانكُمْ‏)‏ فأخبر أن الألسنة مختلفة، ووجدنا الخلق تتشابه فكذلك الأصوات، وبقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إذا رأيت مثل هذه الشمس فاشهد وإلا فدع‏)‏ فذكر الشمس تنبيه على المعاينة، ولأنه لا تجوز الشهادة على أحد بلمسه أو بشمه، فكذلك سماع كلامه، ولأن الشهادة من المشاهدة والأعمى لم يشاهد، فلم يجز أن يكون شاهدًا‏.‏

الجواب عن الأول‏:‏ أن الأعمى إذا تكرر عليه صوت ولده وامرأته وعبده عرفه وقطع به عند السماع، وهذا معلوم بالضرورة، فما شهد إلا بما علم‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن المراد بالاعتدال في الأخلاق والدين لا في الخلق، ولذلك الصحابة - رضي الله عنه عنهم- عمي منهم جماعة ولم يقدح ذلك في عدالتهم‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن المراد‏:‏ اللغات، فإن منعتم بناء على اللبس في الصوت فامنعوا البصير بناء على اللبس في الألوان والصور‏.‏

وعن الرابع‏:‏ إن تكرر الصوت على الأعمى فتصير معرفة صاحبه عنده كالشمس في العلم والقطع، وليس المراد مشاهدة البصر، لصحة الشهادة بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالسماع من غير مشاهدة البصر، لحصول العلم‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن اللمس إنما يفيد الخشونة والملوسة والحرارة والبرودة، والشم يفيد الروائح دون العلم بالموصوف بهذه الصفات أي شخص هو من جنسه، بخلاف الأصوات في مجاري العادات إذا تكررت أفادت العلم بالشخص الموصوف بها عند سماع كلامه‏.‏

/ وعن السادس‏:‏ أن الشهادة لفظ مشترك بين العلم والخبر والحضور، والكل موجود في الأعمى فيجوز‏.‏

الفرع الخامس

في الكتاب‏:‏ دار في يدك خمسين سنة، فأثبت غائب أنها له وانتقالها بالمواريث له، وقلت‏:‏ اشتريتها من قوم انقرضوا، وانقرضت البينة، فتنفعه الشهادة على السماع أنك أو أحد آبائك اشتراها من القادم أو من أحد آبائه، أو ممن ورثها القادم عنه، أو ممن ابتاعها من أحد هؤلاء، فإن شهدت أنك أو أحد آبائك ابتاعها، ولا يدورن ممن، لم ينفعك، لعموم ثبوت ملك البائع لما باع، بخلاف ورثته قد ثبت ملكهم، ولو شهدت أن أباك ابتاعها ممن ذكرنا من خمس سنين ونحوها، لم تنفعك بينة السماع، بل بينة القطع على الشراء مباشرة لأجل القرب‏.‏

الرابع في صـــفة الأداء

قاعدة‏:‏ صفة الإخبارات هي الأصل، وقد ينتقل في العرف فيصير إنشاء، والفرق من ثلاثة أوجه‏:‏ الخبر يحتمل التصديق والتكذيب بخلاف الإنشاء، والخبر تابع لمخبره، والإنشاء متبوع، والخبر ليس سببًا مؤثرًا في مدلوله بخلاف الإنشاء، ثم النقل عن الخبرية قد يكون في الفعل الماضي فقط نحو‏:‏ بعت‏.‏ واشتريت، وزوجتك ابنتي هذه فيقول الآخر قبلت وفي الفعل المضارع فقط نحو‏:‏ أشهد عندك ولو قلت‏:‏ شهدت لم تقبل شهادتك لبقائه على أصل الخبرية فهو كذب لأنك لم تشهد قبل ذلك بشيء، وقد ينتقل مجموعهما، نحو‏:‏ أقسمت بالله، ولأقسم بالله، فكلاهما يوجب الكفارة، والقسم هو جملة إنشائية يؤكد بها جملة أخرى‏.‏

تمهيد‏:‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ إجابة الشاهد لمن دعاه واجبة‏.‏ لقوله تعالى ‏(‏وأَقِيمُوا الشًهَادَةَ لله‏)‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَلاَ يأْبَ الشًهُدَاءُ إذَا مَا دُعَوا‏)‏ وقد تقدم في باب تحمل الشهادة الخلاف في هذه الآيات ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَلاَ تَكْتُمُوا الشهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإنًهُ آثم قَلْبُه‏)‏ زالته‏.‏ فإن لم يدع فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏

‏(‏خير الشهود الذي يأتي شهادته قبل أن يسألها‏)‏ قال‏:‏ وهو محمول على وجهين‏:‏ حقوق الله عز وجل، فإن كان لا يستدام فيه التحريم جاز له التأخير، لأنه ستر سترته عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لهزّال‏:‏ ‏(‏هَلاُ سَترتَه برِدائك‏)‏ فإن علم الإمام‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يكتمه الشهادة، ولا يشهد في ذلك إلا في تجريح إن شهد على أحد، أو يستدام فيه التحريم كالطلاق والعتق والأحباس والمساجد ونحوها، فيلزمه التعجيل، وإن أخر سقطت شهادته لأن سكوته والمفسدة تتكرر جرحة، قاله ابن القاسم، قال عبد الملك وأصبغ‏:‏ يقبل‏.‏ فإن قام غيره بالفرض سقطت عنه، وكان قيامه استحبابا، لأنه أعانه على الحق، وأما حقوق الآدمي فيخير صاحب الحق، فإن لم يخيره أبطل ابن القاسم شهادتَه دون سحنون‏.‏

وفي الباب تسعة فروع‏:‏

الفرع الأول

في الكتاب‏:‏ إذا شهدت البينة على غائب قدم قبل الحكم، لم تعد البينة، لأنه يقضى عليه غائبًا، بل يخبر بالشهادة، فإن كان له حجة وإلا حكم عليه‏.‏

الفرع الثاني

قال‏:‏ لا يكفي‏:‏ إنه ابن الميت، حتى يقولوا في حضر الورثة‏:‏ لا يعلمون وارثًا غيره، وكذلك‏:‏ هذه الدار لأبيه أو جده، حتى يقولوا‏:‏ ولا نعلم خروجَها من ملكه إلى الموت، حتى يحكم بالملك في الحال، فإن قالوا‏:‏ هذا وارث آخرين أعطي بهذا نصيبه، وترك الباقي بيد المدعى عليه حتى يأتي مستحقه، لأن الأصل دوام يده، ولأن الغائب قد يقر له بها، قال سحنون‏:‏ وقد كان يقول غير هذا، وعن مالك‏:‏ ينزع المطلوب ويقف لتعينها لغيره، وإن قالوا‏:‏ لا نعرف عدد الورثة، لم يقض في هذا بشيء

/ لعدم تعينه، ولا ينظر إلى تسمية الورثة، وتبقى الدار في يد صاحب اليد، حتى يثبت عدد الورثة لئلا يؤدي لنقص القسمة وتشويش الأحكام، في التنبيهات‏:‏ قوله مع ورثة آخرين، ينبغي أن يسموهم، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ ينبغي إذا قامت غرماء الغائب ببيع الموقوف لهم بيد المدعى عليه، لأنه لو كان حاضرًا ونكل عن اليمين لأخذه الغرماء بعد يمينه الذي كان يحلفها الغائب أن لو حضر، فإن أخذوها ثم قدم فحلف، فقد مضى ذلك، وإن نكل غرم للمدعى عليه ما أخذه الغرماء، ويتبع في ذلك عدمه ولا شيء على الغرماء، لأنه متهم عليهم في النكول، قال بعض أصحابنا‏:‏ البقاء بيد المدعى عليه أولى، لأن على الغائب اليمين‏:‏ ما ابتاع ولا وهب ولا علم أن أباه باع، ولا وهب، فكأن الحكم لم يتم، وفي البيان‏:‏ لا تقبل شهادة من قال‏:‏ فلان وارث فلانًا، وهذا البعض ما باع ولا وهب، ما يدريه ذلك‏؟‏ بل يقول‏:‏ لا أعلم له وارثًا غيره، ولا أعلم أنه باع، قاله مالك، لأنه جزم في غير موضع الجزم، وقال عبد الملك‏:‏ لا يجوز إلا الجزم حتى يقول‏:‏ ما باع ولا وهب، لأن الشهادة بغير الجزم لا تجوز، ويحتمل هذا القائل أنه اقتصر على نفي غير هذا فقط، فلا بد من التصريح بأن هذا وارثه قال‏:‏ وقول عبد الملك أظهر‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إذا شهدت أنه ملكه بالأمس ولم تتعرض للحال، لم تسمع حتى يقولوا‏:‏ لم يخرج عن ملكه في علمهم، ولو شهدت أنه أقر له بالأمس ثبت الإقرار واستصحب واجبه، ولو قال المدعى عليه‏:‏ كان ملكه، لأنه يخبر عن تحقيق مستصحب‏.‏ كما لو قال الشاهد‏:‏ هو ملكه بالأمس اشتراه من المدعى عليه بالأمس، ولو شهدوا على أنه كان في يد المدعى بالأمس، لم يأخذه بذلك، حتى تشهد البينة أنه ملكه، ولو شهدت أنه غصبه منه جعل المدعي صاحب اليد، ولو ادعيت ملكًا مطلقًا فذكر الشاهد الملك والسبب لم يضر، لعدم الشافي‏.‏

/ الفرع الثالث

إذا أقام الشهادة في العين القائمة، ما علمناه باع ولا وهب ولا خرج من ملكه، لا يقضى لمدعيها حتى يحلف أنه ما باع ولا وهب وما خرج عن ملكه بوجه، وقوله‏:‏ أعرتها، وليس عليه أن يأتي ببينة على ذلك، ولو شهدت كانت زورًا، ولا يحلف في الديون مع شهادة اثنين إلا أن يدعي خصمه القضاء فيحلف ويبرأ من دعوى خصمه، في التنبيهات‏:‏ جعلها زورًا لأنها شاهدة على نفي غير مضبط أنه ما باع، وقيل‏:‏ لا يرد القاضي شهادتهم حتى يسألهم‏:‏ أيشهدون على البت أو العلم‏؟‏ فإن ماتوا قبل الكشف سقطت، ويعذر الجهال، ولا يلزمهم عقاب، قال ابن يونس‏:‏ فإن أقام شاهدا حلف‏:‏ ما باع ولا وهب تصديقًا لشاهده، فإن ادعى عليه أنه أخذ دينه فنكل، حلف المطلوب وبرئ، فإن نكل غرم، ولو كان الحق على ميت أو غائب لم يقض به للطالب حتى يحلف مع شاهديه‏:‏ أنه ما قبض، ولا تسقط عنه لقطع الاحتمال، فإن الميت لو كان حاضرًا لعله يتبين حجته في سقوط الدين‏.‏

الفرع الرابع

قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ إن أخذ الشهود من المشهود له دواب يركبونها إلى موضع الشهادة، نحو البريد أو البريدين، أو ينفق عليهم وهم يجدون النفقة أو الدواب، سقطت شهادتهم؛ لأخذهم الرشوة على الشهادة، أو لا يجدون، جاز، وقبلت شهادتهم، وإن كانوا على مسافة القصر، لم يشخصوا وشهدوا عند من يأمرهم القاضي بأدائها عنده في ذلك البلد، ويكتب بما شهدوا به إلى القاضي، وفي الجواهر‏:‏ لا يستحضر الشاهد من مكان يشق عليه، كانت المسافة بعيدة، لا يلزمه الإتيان منها، وإلا امتنع إلا أن يكون للمشهود له دابة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ على الشاهد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فيجوز له أن يركب دابة المشهود له لا غير، وقال أبو الوليد‏:‏ إذا ركب أو

أكل طعامه والمسافة قريبة تبطل شهادته، وقيل‏:‏ لا تبطل، ولكن الشاهد لا يقدر على النفقة ولا على كراء دابة وقيل‏:‏ لا تبطل وهو يشق عليه المشي فلا تبطل إذا أتفق عليه أو اكترى له، لأن بالعجز سقطت عند الوجوب، وقيل‏:‏ تبطل إذا لم يكن مبرز العدالة لاتهامه على الارتشاء، وكذلك لو كان بمكان بعيد لا يمكنه الإتيان، قيل‏:‏ لا يضره أكل الطعام وإن كان له مال، ولا ركوب دابة وإن كانت له دابة، وكذلك في انتظاره للأداء إذا منع مانع، فأنفق عليه المشهود له مدة، لأنه طارئ، لم يجد من يشهده على شهادته ويتصرف، وقيل‏:‏ تبطل الشهادة بذلك، لأنه يوفر بذلك النفقة على نفسه، قال أبو الوليد‏:‏ وهو الأظهر، قال أبو الوليد‏:‏ فانظر أبدًا متى أنفق عليه في موضع يلزمه القدوم منه والمقام، امتنع الإنفاق إلا فيما يركب الشاهد إذا لم يكن له دابة، ولم يقدر على المشي، فلا خلاف أنه يجوز الركوب إذا لم يكن له دابة من غير تفصيل بين القريب والبعيد، والموسر والمعسر، وإنما يفصل كما تقدم إذا كانت له دابة، وأما الكاتب فيأخذ الأجرة لعدم وجوب الكتابة‏.‏

الفرع الخامس

في البيان‏:‏ قال ابن وهب‏:‏ إذا ادعت الجارية الحرية، أو الضعيف حقًا وقال‏:‏ إنه يعجز عن جلب بينة من الكورة، وسأل الرفع لموضع شهادته، فإن وجدت الأمة شاهدًا استحقت الرفع لموضع شاهدها الآخر، وتأتي يحمل بنفسها إلى الأجل الذي يوقفها السلطان، وإن لم تأت بشاهد فلا، لاحتمال تعنيت السيد‏.‏

الفرع السادس

قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا استودعت جاريتك فمات المستودع، فشهدت البينة أنه أقر أن لفلان عندي وديعة‏:‏ جارية، إحدى هذا الثلاث، والأخريان ابنتاي،

ولا تعلم عينها، بطلت الشهادة لعدم الجزم بالتعين، ولم يقل‏:‏ يحكم فيها بالقافة كما قال‏:‏ إذا وضعت امرأته وغيرها، واختلط الصبيان، ووقع التداعي، ولم يدع أحدهما معينًا‏:‏ أنه يحكم بالقافة، قيل‏:‏ اختلاف من قوله، ولا فرق بينهما، قال‏:‏ والأظهر‏:‏ الفرق أن تلك السبب تدخله القافة، وهذه ملك، والقافة لا تدخل في الأموال، لأنك لو ادعيت ولد أمة، فقال‏:‏ زوجتنيها فولدت هذا الولد مني، وادعيت أنه من زنى، لم يحكم به بالقافة‏.‏

الفرع السابع

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا شهدوا بالأرض ولم يحددوها، وآخرون بالحدود دون الملك، تمت الشهادة، وقضى بينهم بحصول المقصود من المجموع قال ابن حبيب‏:‏ فإن كان المدعى عليه غاصبًا ولم يجد إلا من يشهد بالغصب دون الحدود، قيل‏:‏ له حدد ما غصبت واحلف عليه، قال مالك‏:‏ إن قالوا‏:‏ نشهد بالحق ولا نعرف عدده، قيل للمطلوب‏:‏ أقر بحق واحلف عليه فيعطيه ولا شيء عليه غيره، فإن جحد قيل للطالب‏:‏ إن عرفته أحلف عليه وخذه، فإن قال‏:‏ لا أعرفه، أو أعرفه ولا أحلف، سجن المطلوب حتى يقر بشيء ويحلف عليه، فإن أقر ولم يحلف أخذ المقر به وحبس حتى يحلف، وإن كان الحق في دار حيل بينه وبينها حتى يحلف، ولا يحبس لأن الحق في شيء بعينه، قال صاحب المنتقى‏:‏ قال ابن نافع‏:‏ إذا لم يعرف عدد المال يعرف ذلك الإمام فيجتهد فيه، قال‏:‏ وأرى أن ذلك ينفعه، وقال مالك‏:‏ يقضي بشهادته، وعن مالك‏:‏ ترد لنسيانه العدد أو لجهله به‏.‏

الفرع الثامن

قال صاحب المنتقى‏:‏ إن يؤدي شهادة حفظها، فلابد من حفظها عند الأداء، فإن نسي بعضها شهد بالذي ذكره فقط، وإن نسي الجميع فلا يشهد،

/10 وأما في عقد البيع أو النكاح أو الهبة أو الحبس أو الإقرار أو نحوه مما لا يلزم الشاهد حفظه‏:‏ بل مراعاة الشهادة في آخره، فإن ذكر أنه أشهد عليه وعرف خطه، ولم يرتب بمجرد لا غيره شهد، وعلى الحاكم قبولها، وإن ارتاب فلا يشهد، وإن عرف خطه ولم يذكر أنه كتبه ولا أنه أشهد‏:‏ فعن مالك‏:‏ إن لم يرتب شهد وإلا فلا، ورجع إلى أنه لا يشهد حتى يذكر الشهادة أو بعضها، وكذلك يشهد على الحاكم في السجلات وهي كالعقود لا يلزم حفظها عند الأداء، لأنه شهد بما علم من تقيد الشهادة

الفرع التاسع

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا قال وقت الأداء‏:‏ لا أذكرها، ثم قال بعد أيام‏:‏ ذكرتها‏:‏ قال مالك‏:‏ إن كان مبرزًا لا يتهم قبلت إلا أن يمر من طول الزمان ما يستنكر، قال سحنون‏:‏ إن قال‏:‏ أخروني لأذكر وهو مبرز جازت، فإن قال‏:‏ ما عندي علم، فاختلف فيه، فأجازها مالك من المبرز في القرب، لأنه إنما أخبر بعدم العلم في ذلك الوقت، وقيل‏:‏ ترد لقطعه بعدم العلم، فينتفي سببه، وهو أصل الإشهاد، قال ابن حبيب‏:‏ إنما هذا إذا سئل عند الحاكم أو المريض عند نقلها عنه وأوفى غير ذلك فلا يضر، قال ابن يونس‏:‏ كان سحنون يأمر الخصوم عند الأداء لا يعرض الطالب للشاهد لتلقين، ولا المطلوب بتوبيخ، فإن فعل ذلك بعد النهي أدبه، وإذا خلط الشاهد أعرض عنه، وربما عاوده، فإن ثبت كتب شهادته من غير تحسين ولا زيادة، وإن خاف الشاهد عند الدخول عليه أعرض عنه حتى يتأنس ويقول له‏:‏ هو عليك ليس معي سوط ولا عصا، فليس عليك بأس، قل ما تعلم،

ودع ما تعلم، وينبغي للقاضي إذا كتب الشهادة أن يوقف الشاهد عليها ثم يرفعها، وله إن يكتبها بنفسه، أو كاتبها بنفسه، أو كاتبه المأمور، أو الشاهد، ولا يقول القاضي له‏:‏ أشهد بكذا، لأنه تلقين، قال سحنون، قال ابن عبد الحكم‏:‏ يجوز أن يذكر أحد الشاهدين الآخر، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أنْ تَضِلً إحْدَاهُمَا فَتُذَكًرَ إحْدَاهُمَا الأَخْرَى‏)‏ قال محمد‏:‏ إذا اتهمهما بالغلط لا يفرق بينهما، لأن الشاهد إذا قصد بهذا رهب واختلط عقله، ولكن يسمع منهما ويسأل عنهما، ولا تخلط المرأة المشهود عليها في جملة النساء، أو الدابة في دواب يمتحنهم بذلك إذا سأله الخصم، لأنه أذية الشهود، وإذا شهد الشاهد عنده كتب اسمه، ونسبه، ومسكنه، ومسجده الذي يصلى فيه، وصفته لئلا يتسمى غير العدل باسمه، ويكتب الوقت الذي شهد فيه، ويكون المكتوب في ديوانه لئلا يزيد المشهود له أو ينقص، ويكتب صورة الخصومة كلها من سؤال وإنكار واختلاف، ويكتب‏:‏ هذه خصومة فلان بن فلان في شهر كذا في سنة كذا، ويفرد خصومات كل شهر، ويجعل نسخة أخرى بيد الطالب، يطبع عليها، فإن أخرجها الطالب قابلها بما في ديوانه، قال صاحب المنتقى‏:‏ وعن أشهب‏:‏ إذا قال‏:‏ كل شهادة أشهد بينك زور، لم يضره ذلك ويشهد وقال ابن حبيب‏:‏ إذا قال للخصم‏:‏ ما أشهد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فلا يضره ويشهد، لأنه وعده بأن لا يقيم عليه الشهادة، وهو وعد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قال في الجواهر‏:‏ مهما أمكن الجمع بينهما جمع، وإن تناقضتا وأمكن الترجيح رجع إليه، وإلا تساقطتا وبقي المدعي في يد من هو في يديه مع يمينه إن كان من المتداعيين، فإن كان من غيرهما فقيل‏:‏ يبقى في يده، وقيل‏:‏ يقسم بين مقيمي البينة لاتفاقهما على ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ مالك الحائز، وري‏:‏

يقضى بأكثرهما عددًا عند تساوى العدالة إلا أن يكون هؤلاء كثيرًا يلتقي بينهم ما يلتمس من الاستظهار، والآخرون أكثر جدًا فلا تراعى الكثرة، ولو أقر من هو في يده لأحدهما لنزل إقرار من له اليد للمقر له حتى ترجح البينة، ولو كان في أيديهما جميعًا لقسم بينهما بعد أيمانهما، وسيأتي في الدعاوى كثير من هذا‏.‏

الخامس في اختلاف الشهادات‏.‏

وفيه عشر مسائل‏:‏

المسألة الأولى، في الكتاب‏:‏ شهد أحدهما بمائة، والآخر بخمسين، إن شاء حلف مع شاهد المائة ويقضى له بها، أو يأخذ الخمسين بغير يمين لاجتماع شاهدين فيها، في النكت‏:‏ كلامه في الكتاب إذا كانت الشهادتان في مجلس واحد، وأما في مجلسين فيحلف ويستحق مائة وخمسين، لأنهما مآلان وشاهدان، فلما كانتا في مجلسين؛ قال اللخمي‏:‏ اختلف إذا كانت في مجلس واحد ولفظ واحد، فقيل‏:‏ ما تقدم، وقيل‏:‏ تسقط الشهادتان، لأن كل واحدة كذبت الأخرى، قال‏:‏ وهو أحسن، فإن أقام الطالب يثبت هذا بمائة حلف معه واستحق، وإن كان الآخر أعدل، وقد سقط شاهد الخمسين لاتفاق الطالب والمطلوب على كذبه، وإن أقام المطلوب شاهد الخمسين نظر إلى أعدل الشاهدان، فإن كان هو شاهد المائة حلف الطالب معه، وإن كان الآخر حلف معه المطلوب وبرئ، وقيل يحكم بشاهد الطالب معه، وإن كان الآخر أعدل، والأمور أحسن‏.‏ لأن المطلوب يقول‏:‏ هذا شاهد أعدل من شاهد شهد أني لم أقر إلا بخمسين، واختلف إذا كانت الشهادتان في مجلس، وقال المشهود له‏:‏ هو مال واحد، والمدعى عليه ينكر الجميع، قال ابن القاسم‏:‏ لا يستحق من ذلك شيئًا إلا بيمين، قال محمد‏:‏ يأخذ أقلهما بغير يمين، ويحلف المطلوب على الزائد، قال‏:‏ والأول أصوب، يقول‏:‏ ليس لك ضم الشهادتين وأخذ خمسين، ثم احلف على تكذيب شاهد المائة، وإذا حلفت على تكذيبه بطل

جميع شهادته، فإن أحب حلف مع شاهد المائة وأخذها، ويستغنى عن شاهد الخمسين، وإن أحب حلف مع شاهد الخمسين، ويرد اليمين في شاهد المائة، فإن حلف برئ، فإن نكل غرم خمسين، لأن الطالب لم يدع إلا مائة وقد أخذ خمسين، وإن أحب أخذ خمسين بغير يمين، ثم لا يكون له على المطلوب شيء‏.‏ فإن زعم الطالب أنهما مآلان، حلف مع كل شاهد واستحق مائة وخمسين، إلا أن يقر المطلوب بالشهادتين ويقول‏:‏ الخمسون من المائة، ويقدم التاريخ، أو يسلم أنه أقر بخمسين قبل المائة، ويصدق مع يمينه، إذا قال‏:‏ اشتريت منه بخمسين فأشهدت بها، ثم بخمسين فأشهدت بمائة، فإن علم تقدم شهادة المائة لم يقبل قو له وصدق الطالب في أنهما مآلان، وإن ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ وأقر بمائة عن الخمسين، وقال الطالب‏:‏ هي مائتان، وقال المطلوب‏:‏ مائة، صدق الطالب ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ إن كانا بكتابين صدق الطالب، وكذلك إذا كان إقرار الغير كتابًا وتقارب ما بينهما أشهد ستة في مجالس كل اثنين بطلقة، قال الزوج‏:‏ هي واحدة، قال ابن القاسم‏:‏ هي ثلاث لأن الأصل عدم التداخل ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بلا سلف أنه يغرم ثلاثمائة إذا شهدوا بمائة، ثم مائة في مجالس، وقال أصبغ‏:‏ إن كان قول الشهود، أي طلقها دين، أو أنها طلاق لم تنفعه نيته، لأن اسم الفاعل للحال بخلاف الفعل الماضي، وعن مالك‏:‏ إذا لقيت رجلا فقلت‏:‏ أشهد أن امرأتي طالق، ثم قلت للآخر كذلك، وقلت‏:‏ أردت واحدة، أحلف ودين، قال‏:‏ وهو أصوب، لأن اسم الفاعل يصلح للإخبار عن الماضي والحال، إلا أن يتباعد ما بين تلك الشهادات، فإن شهدت البينة أنه قال‏:‏ امرأته طالق، وبينة أخرى أنه قال‏:‏ عبده حر، وذلك عن كلمة واحدة، أنكرت الجميع، اختلف هل تسقط الشهادتان أو يقضى بالعتق والطلاق لأنهما حقان لاثنين الزوجة والعبد بخلاف الاتحاد، بعض الشهادات يكذب بعضًا، وتقول الزوجة‏:‏ لا تضرني بينة

/10العتق لأني أنا والزوج متفقان على تكذيبهما، وكذلك يقول العبد، فيقوم كلاهما ببينة، فإن كذبًا بينتهما لم يحكم بهما، لأن القيام على المشهود عليه يصير حينئذ لله تعالى، وإذا صار الحق لواحد لم يقم بهما مع تكذيب بعضها بعضًا، وهذا مع تساوي العدالة، وإلا قيم بالعدل لله عز وجل، فإن صدقت الأعدل وقال العبد والمرأة‏:‏ لا علم عندنا ولم يقرا بشيء، قضى بالتي صدقت، فإن صدقت الأخرى قضى عليك بالشهادتين بإقرارك، وإن صدقت الأعدل التي شهدت بالطلاق، قام العبد ببينة العتق، قضى بالعتق على القول بأن المدعى لا يكذب، وإن شهد شاهدان أنك ذبحت فلانا، وآخران أنك أحرقته، وأنكرتهما، فإن قام الأولياء بالشهادتين بطل الدم أو بإحداهما أقسموا معها واقتصوا وسقطت الأخرى لاجتماع الأولياء معك على تكذيبهما، فإن اعترفت بالذبح وأقاموا ببينة الحرق وهي الأعدل أقسموا معها وأحرقوا، فإن كانت الأخرى أعدل حلفت معها وقتلت ذبحًا بغير حرق‏.‏

المسألة الثانية‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا تعارضت بينة صاحب اليد مع بينة الطالب‏.‏ قضي بأعدلهما وإن كانت أقل عددًا، فإن استوتا تساقطتا، ويقر الشيء بيد حائزه ويحلف، ولا يقضى بأكثرهما فيساوي رجلان ورجل وامرأتان، مائة رجل، وكذلك لو ادعى الدار صاحب اليد، واثنان بغير يد، وتكافأت بينة غير ذي اليد سقطتا، وبقيت بيد صاحب اليد لأن كل بينة جرحت صاحبتها، قال غيره‏:‏ ليس هذا جرحًا، لكن التكافؤ فكأنهما لم يكونا، وكذلك التكافؤ إذا تداعيا شيئًا ليس بأيدهما، ثم إن رأى الإمام فيما شهدوا به أنه مما يمنعهما منه حتى يأتيا ببينة أعدل، فعل، وإن كان مما ينبغي للإمام أن يقره ويرى أنه لأحدهما قسمه بينهما بعد أيمانهما كما لو لم تشهد لهما بينة، وإن تنازعا عفوًا من الأرض قضي بالأعدل ويحلف صاحبها، وإن تكافأتا سقطتا وبقيت الأرض كغيرها من

عصر دار المسلمين، وعن مالك‏:‏ إن تكافأتا والشيء ليس في أيديهما وهو مما لا يخاف عليه كالعقار، ترك حتى يأتي أحدهما بأعدل مما أتى به صاحبه، إلا أن يطول الزمان فيقسم بينهما لئلا يهلك، وما خشي ما يغيره كالحيوان والعروض والطعام يؤخره قليلا لعل أحدهما يأتي بأثبت مما أتى به الآخر، فإن لم يأت وخيف عليه قسم، ولو شهدت بينة في أمة أنها لك، وشهدت أخرى أنها له، وولدت عنده، وليست في يد أحدهما، قضي فيها لصاحب الولادة، لأنه مرجح، قال غيره‏:‏ إذا كانت ببينة الناتج ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أن كانت بينة الآخر أعدل، وليس هذا من التهاتر، ولكن لما زادت بقدم اليد قدمت، كما لو شهدت ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بشهر والأخرى عام قدمت، وإن كانت الأخرى أعدل، ولا ينظر لمن بيده الأمة إلا أن ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ لآخر ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الخدمة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ لادعاء لها بحضرة الآخر فهذا يقطع دعواه‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ في ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ اختلفا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ السلعة قضي لصاحب اليد بغير يمين، خلافًا لابن القاسم في اليمين، ومعظم الشيوخ لا يرون على المقضى له بالأرض ببينة الأعدل يمينًا، قال‏:‏ وأرى إيجاب اليمين عليه في الكتاب، لأنها في غير يده، واحتيط باليمين لحق بيت مال المسلمين، ولو كان لهما مالك لم تلزم اليمين‏.‏

قال التونسي‏:‏ اختلف في الترجيح بكثرة العدد بناء على أنه يزيد على غلبة الظن، كزيادة العدالة، أو يفرق بان الترجيح بالكثرة يفضي إلى طول النزاع بأن يسعى الخصم الآخر في الزيادة فيعدد الأول ويزيد شهودًا ويتسلسل الحال، وليس في قدرته أن يجعل بينة أرجح عدالة، فلا يتسلسل، واختلف إذا ساوى شاهد شاهدين في العدالة‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يحلف صاحب الشاهد ويكون شاهده ويمينه كشاهدي الآخر، وكذلك شاهد وامرأتان تكافئ شاهدين مع

استواء العدالة، لأنها كانت حجج شرعية، ولم يسو أشهب، لأن اليمين لا يحكم بها في الدماء، وكذلك المرأتان، وقال عبد الملك‏:‏ الحائز لا ينتفع بينة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينة على من ادعى‏)‏ فلم تشرع إلا له، وصاحب اليد لم يدع، اختلف في الدار يدعيها ثلاثة هي في يد أحدهم فتكافأت بينتا غير ذي اليد، فقيل‏:‏ تخلى لصاحب اليد لتساقط البينتين‏.‏ وقيل‏:‏ تقسم بينهما لاتفاق البينتين على إبطال مالك ذي اليد، واختلف لو أقر بها الحائز لأحدهما، فعلى مذهب المدونة‏:‏ إنما له تكون للمقر له، وعلى الآخر‏:‏ لا يقبل إقرار، والترجيح بتقدم التاريخ ليس فيه تكاذب لاحتمال أن يكون متأخر التاريخ غصبًا أو اشتري من غاصب، فلا يزول ملك الأول إلا بيقين إذا حلف أنه ما باع ولا وهب، وكذلك الترجيح بالنتاج‏.‏ وعن أشهب‏:‏ إذا شهدت بأن العبد كان بيدك، لا تكون أحق حتى تقول ملكك، قال‏:‏ وفيه نظر، لأن كونه بيدك يوجب رده إلى يدك حتى تثبت يد قبل يدك، ولا يبطل ذلك إلا بيقين، وعن أشهب‏:‏ لو شهدت بأنها لك، وشهدت أخرى بأنها ملك خصمك، قضي له بها، ولو تقدم تاريخ يدك، وفيه نظر، كما تقدم أن يكون معنى كلامه الذي هو شهدت له بالملك اشترى ممن حاز قبلك فيصح، قال‏:‏ كذلك أيضًا يشكل قوله في الكتاب‏:‏ لا يعتبر أنها ولدت عنده، لأن يده تقدمت على أمها إلا أن يعلم أن أمها ملك لغيره، وإن شهدت أنها بنت أمته، لم يقض له بها لاحتمال أن تكون ولدتها قبل ملك الأم، إلا أن يقولوا‏:‏ ولدت عندك‏.‏

وفي الكتاب ابن سحنون‏:‏ إذا شهدت في التي بيد غيرك أنها ولدت عندك، لا يقضى لك حتى يقولوا‏:‏ إنك تملكها، ويحلف لك‏:‏ ما أعلم لك فيها حقًا، ولو

شهدوا بنسيج الثوب ولم يقولوا‏:‏ لك لم يقض به بل بقيمة النسخ، ويحلف‏:‏ ما نسجته ملكا، قال‏:‏ وهذه المسائل تخالف الأصول المعروفة، لأن الحيازات لها أثر فيرجح بها، أما لو شهدت كلتاهما بالنسج أو الولادة عند كما كان تكاذبًا يقضى بالأعدل، لو كان مما يمكن أن ينسج مرتين كالخز ترجح الأول‏:‏ وللثاني أجرة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فإن شهدتا بعين ذلك النسج لكما قضي بأعدلهما، لأنه تكاذب ويسقطان مع التكافؤ ويأخذها الحائز مع يمينه، وفي الموازية‏:‏ دار بين حرين وعبد تاجر فهي بينهم أثلاثا أو العبد في أحدهما فهي بينهما نصفين، لأن العبد في أحدهما، أو هي بيد تاجرين وحر، فادًعاها العبدان لأنفسهما، والحر لنفسه، قسمت أثلاثًا، ولو كان السيد معهم في الدار وهما غير ما‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قسمت بينهما وبين المدعي لنفسه نصفين، ولم يكن للعبدين يد مع السيد، فإن كان معه في الدار عبدان ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أو زوار لم ينظر إلى عددهم ودعواهم إن كان هو الذي أحلهم في الدار معه، وإن لم يكن في الدار نظرت إلى عددهم فإن كانوا أربعة أحدهم يدعيها لنفسه، والباقون يدعونها للذي ليس معهم قسمت أربعة، ربع للمدعي لنفسه، والباقي لمن ادعاها له الباقون، ولو كان معهم في الدار، قسمت نصفين، وزالت يد المدعين لغيرهم، وإن قال الثلاثة‏:‏ أكراها منا فلان وهي له، فلا عبرة بكونه في الدار معهم أم لا، لأن الكراء أوجب لهم يدًا فصار للذي أسكنهم ثلاثة أرباعها، لأنهم إن كانوا معه كانوا تحت يده كمتاع له في الدار، ولم ينظر لعدد رءوسهم، وإن لم يكن معهم صاروا حائزين دونه‏.‏ فيقسم على الأعداد، قال‏:‏ وانظر إذا كان هو وعبده المأذون وأجنبي ولا دين على العبد، هل هو بمنزلة المحجور وتقسم نصفين، لأن يد العبد

قال ابن يونس عن مالك‏:‏ يقضى مع الاستواء في العدالة بأكثرهما عددًا في الدعاوى إلا أن يكون هؤلاء كثيرًا يكتفي بهم في الاستظهار، والآخرون أكثر جدًا فلا تراعى الكثرة بخلاف اثنين وأربعة، وأما شاهدان وشاهد أعدل زمانه مع يمين، قال ابن القاسم‏:‏ يقضى بالشاهدين، وعنه بالأعدل مع اليمين لمزيد العدالة، وقال أصبغ‏:‏ أقدم الأعدل مع اليمين على أربعة، فإن كان في الأربعة اثنان أعدل منه قضيت بهما، قال أشهب‏:‏ الأعدل مع اليمين مقدم على الشاهدين، قاله أصحاب مالك، قال ابن القاسم‏:‏ إذا جهلت البينتان لا يقضى بأعدل ممن زكاهما وإنما تعتبر الأعدلية في الشهود أنفسهم، وعن مالك‏:‏ التسوية

تمهيد‏:‏ في الجواهر‏:‏ مدارك الترجيح أربعة‏:‏ زيادة العدالة، وقوة الحجة، فيقدم الشاهدان على الشاهد واليمين، وعلى الشاهد والمرأتين إذا استووا في العدالة، قال أشهب‏:‏ وقال ابن القاسم‏:‏ لا يقدمن، ولو كان الشاهد أعدل من حكم واحد منهما لحكم به على اليمين، وقدم على الشاهد، وعنه مثل أشهب، والثالث‏:‏ اليد، فتقدم بينة صاحب اليد، واشتمال أحد البينتين على زيادة تاريخ، وإذا قدمتا بالأعدل، فهل يقدم بأعدلية المزكي، لم يعتبره ابن القاسم واعتبره مطرف‏.‏

المسألة الثالثة‏:‏ في البيان‏:‏ إذا شهد رجل أنها ملكة، وآخر أنها حوزته، قال مالك‏:‏ تجمع شهادة الرجلين، لأن المعنى واحد، والأحكام تتعلق بالمعاني دون الألفاظ، وكذلك لو شهد أن المنزل منزله، أو في الطلاق بحيلة، أو يشهد الآخر بريبة أو يشهد أحدكما أنها دارك، ويشهد الآخر أنه غصبك إياها، قضي لك بها، أو يشهد أحدهما أنه طلقها ثلاثًا، والآخر أنه صالحها، فرق بينهما‏.‏

المسألة الرابعة‏:‏ قال‏:‏ إذا أشهد أحدهما لا يعلم له وارثًا غيره والآخر لا وارث له غير زوجته، وقف المال حتى يتبين أمر الزوجة، لا يعجل للولد حقه، لأن القسمة بينهما لا تكون بالشك، قاله مالك، وقال أشهب‏:‏ إن شاء الوارث حلف مع الشاهد وأخذ المال كله، لأن شاهده جازم، يبقى غيره، فإن امتنع من

/ 10/ اليمين عزل نصيب الزوجة وأخذ الوارث الباقي بغير يمين ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فإن أوقف وطال الزمان أعطي الوارث المال كله، وصورة اليمين‏:‏ ما يعلم له زوجة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أنها زوجة وشهد لها شاهد، حلفت وأخذت ميراثها بعد الاستيناء على مذهب ابن القاسم ومالك، وإنما منع من إيقاف حق الزوجة خاصة خشية إتلافه، وبعدم الوارث فيتعذر الرجوع عليه إذا ثبت حقها، والفرق بين هذه وبين شاهد بخمسين وشاهد بمائة‏:‏ أنه بالخيار بين أخذ الخمسين بغير يمين وبين أخذ المائة بيمين مع شاهدها‏:‏ أن شاهد الخمسين تمت له الشهادة بالخمسين، وهاهنا لم يجزم شاهده له بجميع المال، بل يقول‏:‏ لا علم لي بالمشارك‏.‏

المسألة الخامسة‏:‏ قال‏:‏ إذا شهد أحدهما أنه صالحها، والآخر أنه طلقها واحدة، قال مالك‏:‏ لا تضم لاختلاف المشهود به، بخلاف‏:‏ طلقتها في رمضان، وشهد الآخر أنه طلقها في شوال، لأن المشهود به واحد، وهو الطلاق، كما لا يضم أنه حلف بالطلاق أن فلانًا قام، والآخر شهد بالطلاق‏:‏ لا يكلم رجلا للاختلاف، ويحلف على تكذيب كل واحد من الشاهدين، قال ابن القاسم‏:‏ كذلك لو شهد أحدهما أنه طلقها البتة، والآخر أنه صالحها، لا تضم، قال‏:‏ وهذه المسألة أربعة أقسام‏:‏ إن اختلف اللفظ واتحد المعنى لفقت إجماعًا، وإن اختلفا لا تضم اتفاقًا، وإن اتفق اللفظ والمعنى واختلف الأيام والمجلس‏:‏ المشهور‏:‏ التلفيق، وإن اتفق اللفظ والمعنى دون ما يوجبه الحكم‏:‏ المشهور‏:‏ عدم التلفيق، كشهادة إحداهما أن فلانا قدم، وشهادة الآخر أنه حلف بالطلاق لا يكلمه، فلا يضم على المشهور، وكذلك شهد أحدهما أنه طلقها، والآخر أنه صالحها، وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق‏:‏ لا يفعل كذا، والآخر أنه حلف أن إحدى امرأتيه طالق، لا يفعله، لا يضم عند ابن القاسم لاختلاف المعنى واللفظ، وقيل‏:‏ يطلقان، قاله عبد الملك، وعن

/ 10/ سحنون‏:‏ إذا جرحه أحدهما بغير ما جرحه به الآخر، جرح لاجتماعهما على جرحه، وقيل‏:‏ لا يجرح حتى يتفقا على جرحة واحدة‏:‏ كذاب أو نحوه، قال ابن القاسم‏:‏ وأشهد اثنان أنه اشهدهما أنه طلقها في رمضان واحدة، وآخران أنه أشهدهما أنه طلقها واحدة في شوال، وآخر أنه أشهدهما أنه طلقها واحدة في ذي القعدة، لزمه الثلاث ولا يدين، كما لو أشهدهما أن له عنده مائة، ثم فعل ذلك في الغد وبعد الغد، لزمه ثلاثمائة، وقال أصبغ‏:‏ يحلف ويبرأ لاحتمال أنه أعاد الطلاق الأول، إلا أن يحدث الطلاق عند كل شاهدين فيقول‏:‏ اشهدوا أنها طالق، بخلاف أني طلقتها، وقال مالك‏:‏ إن شهدوا أنه حلف بطلاقها البتة، أو اثنتين، وقال الآخران‏:‏ ما طلق إلا واحدة، وقال الجميع‏:‏ سمعناه في مجلس واحد، وكلام واحد، لزمه الطلاق للأكثر، وكذلك أنه أعتق زيدًا وميمونًا، والآخران لم يتفوه إلا بعتق زيد وحده، عتق العبدان لوجود النصاب فيهما، وكذلك لو قالا‏:‏ أسلفه عشرين، وقال الآخران لم يسلفه في ذلك الوقت إلا عشرة، لزمه العشرون، لأن المثبت للزيادة أحفظ لما نسيه الآخران وأغفلاه، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا قال ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ المجلس بطلاق، ولكنه حلف بعتق غلام أسمياه سقطت الشهادة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الآخران إنما طلق امرأته الأخرى، وأعتق عبده الآخر، وفي إلزامه ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ من البينة، والواحدة والعشرين والعشرة، وثلاثة أقوال المشهور‏:‏ ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ لمتيقن، والفرق‏:‏ إن كانت الزيادة بزيادة لفظ، مثل أن يشهد أنه أقر له بـ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ وعشرين فأقر له بإحدى وعشرين، أو بغير زيادة لفظ، نحو أقر له بتسعة عشر، وقال الآخر‏:‏ إنه أقر بعشرين، قال مالك‏:‏ ولو شهد عليه رجل بشرب الخمر في شوال، والآخر أنه شربه في ربيع، حد، قال‏:‏ وعند ابن القاسم‏:‏ لا تلفق الشهادة في الفعل، لأن الفعل المتعدد متغاير قطعًا، والقول تمكن حكايته مع اتحاده، وعن

/ 401/ ابن القاسم‏:‏ يحد في الشرب إذا قال أحدهما‏:‏ رأيته يشرب الخمر في شوال، والآخر قال‏:‏ رايته في شعبان، لأن الشرب فعل يؤدي إلى القول وهو القذف كما روى عن علي - رضي الله عنه -‏:‏ إذا شرب سَكِر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فما خالف ابن القاسم أصله، ووجه قول مالك‏:‏ القياس على قول أحدهما‏:‏ رأيته يشربها في زجاج، وقال الآخر‏:‏ في فخار، فإنه يحد‏.‏

المسألة السادسة‏:‏ إذا شهدا بألف أنها لفلان، وآخران‏:‏ أنها وصية لغيره قال ابن القاسم‏:‏ يقضى بأعدلهما، فإن استويا قسم بينهما بعد أيمانهما، وإن نكل أحدهما قضي بها للآخر، وإن نكلا وقالا‏:‏ لا علم لنا، والشهود من الورثة، دفع كل وارث منهم ما يصيبه مما شهد به لمن شهد له، فلو ترك ألفين وأربعمائة وثمانية من الولد، فيشهد منهم اثنان لك بألف، وقال آخران‏:‏ بل هي وصية لغيرك، دفع شاهد الوصية للموصى له ثلث ما يجب لهما‏:‏ مائتي دينار، لأنه يجب لكل واحد منهما ثلاثمائة، ودفع اللذان شهدا بالدين لك ربع ما يجب لهما‏:‏ مائة دينار وخمسون، وخمسة وسبعون من نصيب كل واحد، لأنه يجب لكل واحد ثلاثمائة، ولم يجب على غيرهم شيء لعدم ثبوت الشهادة بالتعارض، قال ابن دحون‏:‏ إن لم يحمل الثلث الألف بطلت شهادة الذين شهدوا أنها وصية ودفعت في الدين، لأن شهود الوصية يحوزوا لأنفسهما، لأن ما لم يحمل الثلث منها يكون على قولهما ميراثًا، قال‏:‏ وهو كما قال إذا تقدمت الشهادة بالدين، أما إن تأخرت أو كان معا، فلا تهمة، وعلى ما روي عن مالك في إعمال الشهادتين معا، حمل الثلث الألف أم لا، فيقضى بها من رأس المال للذي شهد له بأنها دين وبها من ثلث بقية المال للمشهود له بالوصية إن حملها الثلث، أو ما حمله، ولو كان المشهود له واحدًا بالدين،

/ 401/ والوصية لأخذها بشهادتهما حملها الثلث أم لا، على القول بأن الشهادة تلفق إذا اتفقت فيما يوجبه الحكم، وإن أختلف اللفظ والمعنى، وإلا فعلى القول بعدم التلفيق فلا، وكذلك يتخرج إذا شهد اثنان أحدهما بأنها دين والآخر بأنها وصية، على خلاف في تلفيق الشهادة، فعلى القول بأنها تلفيق، تكون له الألف بشهادتهما إن حملها الثلث بغير يمين‏.‏ وإن لم يحملها الثلث خير المشهود بين أخذ ما حمله الثلث من الألف دون يمين، أو حلف مع شهوده أنها دين وأخذ جميعها، وعلى القول بعدم التلفيق، لابد من اليمين، ويحلف مع أيهما شاء ويأخذ ما وجب له بشهادته‏.‏

المسألة السابعة‏:‏ وفي الجواهر‏:‏ حيث قلنا يقسم المدعى به، فإن كان في أيديهما فهل يقسم بينهما على قدر الدعاوى، كما لو كان ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أصلان بتفاوت الدعاوى، لأن سبب الاستحقاق والحوز ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ إلا أن يسلم أحدهما للآخر بعض حيازته، قولان، وكذلك لو كانوا جماعة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بينهم إلا أن يسلم أحدهم بعض ما يختص بحيازته، وإذا قسم على قدر الدعاوى ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ولأن المدعى خارجاَ عن أيديهما، فاختلف في الكيفية‏:‏ فعن مالك‏:‏ يقسم جميعه على قدر ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ اختلفت الحصص المدعى بها كعول الفرائض، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا اختلفت الدعاوى يقسم ما اشتركوا في الدعوى فيه بينهم على السواء وما اختص بعضهم بالدعاوى فلا مقاسمة فيه لمن اختص عنه بدعواه، واختلف في اعتبار الاختصاص على طريقين سيأتي بيانهما في هذه الصورة‏:‏

الصورة الأولى‏:‏ إذا ادعى أحدهما جميعه والآخر نصفه وتساوت البينات، فعلى قول مالك‏:‏ يقسم أثلاثًا‏:‏ لمدعي الكل‏:‏ الثلثان، والثلث لمدعي النصف، وعلى

/ قول ابن القاسم على أربعة‏:‏ لمدعي الكل ثلاثة اسهم، ولمدعي النصف سهم، لأن مدعي النصف سلم النصف، والنزاع إنما هو في الآخر فيقسم بينهما‏.‏

الصورة الثانية‏:‏ ادعى ثلاثة الكل، والنصف، والثلث، فعلى قول مالك‏:‏ يقسم أحد عشر‏:‏ لمدعي الكل‏:‏ ستة، ولمدعي النصف، ثلاثة، ولمدعي الثلث اثنان، وهو كما تقدم من تشبيه بعول الفرائض، وعلى قول ابن القاسم‏:‏ اثني عشر، وتصح من أحد وثلاثين على أحد الطريقين، لأن مدعي الكل سلم له النصف على هذا الطريق، وسلم مدعي الثلث السدس، وهو ثلث النصف الآخر وهو متنازع فيه بين مدعي الكل ومدعي النصف، فيقسمانه نصفين، ويقسم الثلث كلهم فيخص مدعي الكل النصف ستة، والسدس سهم، وثلث الثلث سهم وثلث، تكون الجملة ثمانية أسهم وثلث سهم، ويخص مدعي النصف نصف السدس، سهم وثلث، والثلاث، سهم وثلث، تكون الجملة سهمين وثلثا ولا يخص مدعي الثلث سوى ثلاثة وثلث، فتضرب أصل المسألة في مخرج الكسر تبلغ ستة وثلاثين كما تقدم على طريق الثاني، فيقسم من أربعة وعشرين سهمًا، لأن مدعي الكل إنما سلم له على هذه الطريق السدس، لأنه لا نزاع فيه وهو أربعة أسهم من أربعة وعشرين، تبقى عشرون مدعي الكل يدعيها، وصاحبه يدعيانها، فقسم بينه وبينهما نصفين، له نصفها‏:‏ عشرة، تصير له أربعة عشر، وتبقى لهما عشرة سلم منها مدعي الثلث سهمين لزيادتهما على الثلث، يأخذهما مدعي النصف، ثم يقتسمان الثلث الباقي يتحصل لمدعي النصف ستة ولمدعي الثلث أربعة، فهذا فرق ما بين الطريقتين‏.‏

تنبيه‏:‏ في الجواهر مدارك الترجيح أربعة‏:‏ زيادة العدالة، وقوة الحجة كالشاهدين يقدمان على الشاهد واليمين، واليد عند التعادل، وزيادة التاريخ‏.‏

وفي النوادر‏:‏ مدرك خامس‏:‏ التفصيل والإجمال، فتقدم المفصلة على المجملة،

/ 401/ والنظر فيه مقدم على النظر في الأعدل، فإذا استووا في التفصيل والأجمال، نظر في الأعدل منهما ومثله شهادة أحدها بحوز الصدقة قبل الموت، وقالت الأخرى‏:‏ رأيناه يخدمه في مرض الموت، فتقدم بينة عدم الحوز إذا لم تتعرض الأخرى لرد هذا القول، وذكر مدركًا سادسًا، وهو اختصاص إحداهما بالاطلاع كشهادة بحوز الرهن، والأخرى ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ في الحوز لادما ثبتت للحوز وهو زيادة، قاله ابن القاسم وسحنون‏:‏ قال محمد‏:‏ يقضى به لمن هو في يده، وكان له كسابق استصحاب للحال والغالب، ومثله شهادتهما أنه أوصى وهو صحيح، وشهدت الأخرى أنه أوصى وهو موسوس، قال ابن القاسم‏:‏ تقدم بينة الصحة، وقال سحنون‏:‏ إذا شهدت بأنه زنى عاقلا والأخرى أنه كان مجنونًا إن قيم عليه ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ مجنونا قدمت بينة الجنون وهو يرجع إلى الترجيح بشهادة الحال ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قال ابن اللباد‏:‏ إنما يعتبر وقت الرؤية لا وقت القيام، فلم يعتبر ظاهر الحال، وينقل عن ابن القاسم في إثبات الزيادة إذا شهدت بالقتل أو السرقة أو الزنى، وشهدت الأخرى أنه بمكان بعيد نحوه، لأنها زيادة، ولا يدرأ عنه الحد بأولئك، قال سحنون إلا أن يشهد بذلك جمع عظيم كالحجيج أو نحوهم أنه وقف بهم أو صلى بهم العيد في ذلك اليوم، لأن هؤلاء لا يشتبه عليهم، وقد يشتبه على الشاهدين‏.‏ قال سحنون‏:‏ ولو أقام على القتل شاهدًا، وشهدت بينة بأنه كان بمكان بعيد، فالبينة أولى من الواحد، قال سحنون‏:‏ ولو شهدت بقتله زيدا يوم كذا، في موضع كذا، وشهدت أخرى بقتله عمرا في ذلك اليوم في موضع آخر سقطت الشهادتان، وقال أصبغ‏:‏ قد اجتمعتا على القتل، فإذا قام الوليان قتلته لهما، قال أصبغ‏:‏ وكذلك إذا شهدت بالزنى في يوم واحد في موضعين حددته حدا واحدًا، بخلاف لو شهدت الأخرى بأنه سرق ذلك اليوم بموضع آخر بعيد، سقطت الشهادتان؛ لعدم اجتماعهما على فعل واحد، قال ابن

/ 401/ القاسم‏:‏ إن شهدت بموته سنة ستين، وشهدت الأخرى أنه سنة إحدى وستين قدمت لزيادة الحياة‏.‏

المسألة الثامنة‏:‏ قال‏:‏ إذا قامت البينة على صاحب اليد، فادعى الشراء من المدعي، أو ثبت الدين فادعى توفيته، إن كانت البينة حاضرة سمعت قبل إزالة اليد وتوفية الدين، أو قريبة اتصل أو بعيدة طولب بالتسليم حتى يقدم ويشهد‏.‏

المسألة التاسعة‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا مات وترك ولدين‏:‏ مسلمًا ونصرانيًا كلاهما يدعي موت الأب على دينه‏.‏ وتكافأت البينتان في العدالة، أو لا بينة لهما، قسم الميراث بينهما كمالِ تداعياه وإن كان المسلم صلى عليه ودفنه في قبور المسلمين، لأن هذا حجة شرعية، فإن لم يأتيا ببينة وهو معروف بالنصرانية فهو على ذلك، والنصراني أحق به حتى يثبت خلافه، وقال غيره‏:‏ إذا تكافأت البينات قضي بالمال للمسلم بعد أن يحلف على دعوى النصراني، لأن بينة المسلم زادت أنه أسلم، قال التونسي‏:‏ قوله‏:‏ تقسم التركة بين الاثنين، يريد بعد إثباتهما، وقول ابن القاسم أصوب، لأن الميت جهل دينه، فلم تزد بينة الغير شيئًا كما قال الغير، ويلزم على قول الغير عدم الحاجة لتكافؤ البينة، لأن من زاد شيئًا حكم به وإن كان غير الزائد أعدل، فإن كان معهما ولد صغير‏:‏ قال أصبغ‏:‏ يأخذ النصف لأن كل واحد أقر له بالنصف، وفي كتاب ابن سحنون‏:‏ يحلفان ويوقف ما بأيديهما حتى يكبر، فيدعي دعوى أحدهما، فيأخذ ما وقف لاحتمال عدم دعواه وإنكاره لذلك، وإن مات صغيرًا حلفا واقتسما ميراثه لأنهما وارثاه، فإن مات أحدهما قبل بلوغه وله ورثة يعرفون، فهم أحق بميراثه لأن غيرهم يرث بالشك، فإن كبر الصبي وادعاه كان له، قال ابن يونس‏:‏ قال القاضي إسماعيل‏:‏ يشبه أن مراد ابن القاسم بتكافؤ البينتين‏:‏ أن يشهدا أنه لم يزل مسلمًا حتى توفي وتشهد الأخرى أنه لم يزل نصرانيًا حتى توفي، وهو مجهول‏.‏ وأما إن شهدت أنه أسلم، وشهدت الأخرى أنه لم يزل نصرانيًا حتى مات، قضي بينة الإسلام، لأنها زادت حدوث الإسلام‏.‏

/ 401/ وفي الجواهر‏:‏ إن كان عوض الاثنين جماعة وقلنا‏:‏ يقسم المال، قسم نصفين وإن تفاوتت أعدادهم، أو كان في أحد الجهتين جماعة، وفي الأخرى واحد، كان له ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ النصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وإذا مات نصراني في رمضان ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فترثه، وقال الآخر‏:‏ بل ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ في شعبان قبله فلا ترثه بل ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ النصراني على دينه، قدمت بينة النصراني، لأنها ناقلة‏.‏ ويصدق المسلم عند عدم البينة، لأن الأصل بقاء ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ عند الموت، ولو اتفقا أنه مات أبوهما مسلمًا وادعى أحدهما أنه ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فعليه البينة لأن الأصل عدم تقدم إسلامه، ويرث المتفق على إسلامه‏.‏

المسألة العاشرة‏:‏ في النوادر‏:‏ إذا شهدت أنه غصبه إياها، وشهدت أخرى أن هذا الحائز أقر أنك أودعته إياه، قدمت بينة الغصب لأنها تقضي سبق يده، قاله أشهب، فإن ادعيت الشراء منه، وأن بينة الغصب حضرت الشراء وشهدت عليه‏:‏ قال سحنون‏:‏ تقدم بينة الشراء لأنها ناقلة، فإن كان المشترى من أهل الحوز، فإن أقام بينة على صحة شرائه، وإلا فسخ بعد يمين مدعي الغصب على إبطال الشراء، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا شهدت أنك أعتقته، ولا يعلمون له وارثًا غيرك، دفع إليك ميراثه بغير كفيل، فإن جاء آخر بعدك بمثل ذلك نظر في حجته، قال أشهب‏:‏ ومن حجته أن ينظر من أعتق أولا فيقضى له، وإن كانت بينة الآخر أعدل الشكل السابق قدم الأعدل، قال عبد الملك‏:‏ فإن استووا سقطوا وصار مالا وولاء بغير شهادة يقر بيد من هو بيده، وإذا شهدت بأرض ذات نخل أنها ملكه وغرست نخلها، وشهدت أخرى لمن هي بيده بذلك، قضي بأعدلهما، فإن استوتا ولم يوقتا أو َوقًتا وقتًا واحدًا بطلت شهادتهما في غرس النخل لتكافئهما، وإن وقَتا وقتًا بطلت الشهادة في الأرض خاصة أيضًا، وإن

/ 401/ وقتتا وقتا مختلفا قضي بالأرض لأولهما وقتا إلا أن يكون الآخر حاز عليه حيازة تقطع الدعوى فيقضى له بالحيازة، وإن وقتت إحداهما قضي بالأرض لصاحب المؤقتة، وإن كانت في يد من لم يوقت ببينة، وقيل لمستحق الأرض‏:‏ ادفع لرب النخل قيمتها الساعة قائمة، وإلا أعطاك قيمة أرضك براحًا، فإن امتنعا كانا شريكين بقيمة الأرض بيضاء، وقيمة النخل يوم الحكم، فإن كان فيهما غير النخل‏:‏ قطن، قضي بالأرض والقطن لأعدلهما‏.‏ فإن استوتا فلمن هي بيده قضي للحالف، قال ابن عبدوس عن سحنون‏:‏ إنما خالفت مسألة الأمة وأمها مسألة الأرض والغرس في التوقيت، لأن الأمة إذا ولدت في ملكه فالولد له، وقد يغرس فيما هو لغيرك، قال‏:‏ وينبغي في مسألة الأرض والغرس‏:‏ إذا سقطت في الغرس أن تسقط في الأرض، لأنها شهادة واحدة سقطت‏.‏

تمهيد‏:‏ تقدم أن بينة صاحب اليد أولى عند التساوي أو هي أعدل، سواء كانت الدعوى والشهادة بمطلق الملك أو بمضاف إلى سبب، نحو‏:‏ هو ملكي نسجته، أو ولدت الدابة عندي في ملكي، كان السبب المضاف إليه الملك يتكرر في الملك كنسج الخز وغرس النخل أم لا، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وقال ابن حنبل‏:‏ بينة الخارج أولى، ولا تقبل بينة المدعى عليه أصلا، قال‏(‏ح‏)‏‏:‏ تقدم بينة الخارج إن ادعى مطلق الملك وإن كان مضافًا إلى سبب يتكرر، وادعاه كلاهما فكذلك، أولا يتكرر كالولادة وادعياه وشهدت البينة به فقالت كل بينة، وله على ملكه قدمت صاحب اليد، لنا على ابن حنبل‏:‏ ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تحاكم إليه رجلان في دابة، وأقام كل واحد

/ 401/ البينة أنها له فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب اليد، ولأن اليد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ولنا على ‏(‏ح‏)‏ ما تقدم، والقياس على المضاف إلى سبب لا يتكرر، احتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ‏(‏البينة على من ادعى واليمين على من أنكر‏)‏ وهو يقضي صنفين من ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ اليمين حجته فبينته غير مشروعة فلا تسمع كما أن ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أو لأنها لا تعارضا في سبب لا يتكرر كالولادة، شهدت هذه بالولادة، والأخرى ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فسقطتا فبقيت اليد، فلم يحكم له بالبينة، أما ما يتكرر له تعين السبب مهم، بعد بينة إلا ما أفادته يده فسقطت لعدم الفائدة، ولأن صاحب اليد إذا لم تقم للطالب بينة لا تسمع بينته، وإن لم تسمع في هذه الحالة وهي أحسن حالتيه فكيف إذا أقام الطالب بينة‏؟‏ لا تسمع بطريق الأولى، فإن في هذه الحالة أضعف، ولأنا إنما أعملنا بينة في صورة النتاج، لأن دعواه إفادة الولادة ولم تعدها يده، وشهدت البينة بذلك، فأفادت البينة غير ما أفادت اليد فقبلت‏.‏

الجواب عن الأول‏:‏ القول بالموجب فإن الحديث جعل بينة المدعى عليه، وأنتم تقولون‏:‏ له فيتعين أن يكون المراد بها بينة ذي اليد لأنها هي التي عليه، سلمنا عدم القول بالموجب، ولكن المدعي إن فسر الطالب، فصاحب اليد طالب لنفسه، فتكون البينة مشروعة في حقه، وإن فسرنا ضعف المتداعيين سببًا فالخارج لما أقام بينته، صار الداخل أضعف فوجب أن يكون مدعيًا تشرع البينة في حقه، سلمنا دلالته، لكنه معارض بقو له ‏(‏إنً الله يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ‏)‏ والعدل‏:‏ التسوية في كل شيء حتى يقوم المخصص فلا تسمع بينة أحدهما دون الآخر، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي

/ - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏لا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر‏)‏ وهو يفيد وجوب الاستماع منهما، وإن من قويت حجته حكم بها، وأنتم تقولون‏:‏ لا يسمع بينة الداخل‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه ينتقض بما إذا تعارضتا في دعوى طعام ادعيتما زراعته، وشهدتا بذلك، والزرع لا يزرع مرتين كالولادة، ولم يحكموا به لصاحب اليد، وبالملك المطلق في المال لاستحالة ثبوته لكما في الحال، ولأنه لو حكم له باليد دون البينة لما حكم له إلا باليمين، لأنه شأن اليد المنفردة، ولما لم يحتج اليمين علم بأنه إنما حكم له بالبينة، ولأنه لما حكم له حيث كذبت بينته أولى أن تحكم له إذا لم تكذب بينته، ولأن اليد أضعف من البينة، بدليل أن اليد لا يقضى بها إلا باليمين، ويقضى بالبينة من غير يمين، ولو أقام الخارج بينة قدمت على يد الداخل إجماعًا، فعلمنا أن البينة تفيد ما لا تفيده اليد‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أنه إنما لم تسمع بينة الداخل عند عدم بينة الخارج، لأنه حينئذ قوي باليد، والبينة إنما تسمع من الضعيف فوجب سماعها للضعف، ولم يتحقق إلا عند إقامة الخارج بينة‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن الدعوى واليد لا تفيد مطلقًا شيئًا، وإلا لكان مع المدعى عليه حجج اليد والدعوى والبينة، يخيره الحاكم فيها أنه متى أقام كمن شهد له شاهدان، وشاهد وامرأتان، خير بينهما وبين اليمين مع أحدهما، فعلم بأن المفيد إنما هو البينة، واليد لا تفيد ملكًا وإلا لم يحتج معها لليمين كالبينة، بل تفيد التبعية عنده حتى تقوم البينة، ولأنها لو أفادت وأقام المدعي بينة بأنه اشتراها منه لم يحتج إلى يمين0

تنبيه‏:‏ خالفنا الأئمة أيضًا في الترجيح بزيادة العدالة، ووافقونا في عدم الترجيح بالعدد‏.‏ لنا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ اعتبرت لما تثيره من الظن في الأعدل أقوى

فيقدم، كأخبار الآحاد إذا رجح أحدها ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بلا عدد فيكون هو المعتبر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏أمرنا أن نحكم بالظاهر‏)‏ ولأن إلا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ في الشهادة اكثر من الروايات، بدليل جواز العبد والمرأة المنفردة في الرواية دون الشهادة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ لما كان الاحتياط مطلوبًا أكثر في الشهادة، وجب أن لا يعدل عن الأعدل، والظن الأقوى فيها قياسا على ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ المدرك في هذا الوجه‏:‏ الاحتياط، وفي الوجه الأول الجامع إنما هو الظن، وإذا اختلفت الجوامع في القياسات تعددت، احتجوا‏:‏ بأن الشهادة مقررة في الشرع فلا تختلف بزيادة المأخوذ فيه، فدية الصغير كدية الشريف البطل العالم، ولأن البطل العظيم من الفسقة يحصل من الظن أكثر من الشاهدين، وهو غير معتبر، فعلم بأنها تعبد لا يدخلها الاجتهاد، وكذلك الجمع من النساء والصبيان، إذا كثروا ولأنه لو اعتبرت زيادة العدالة وهي صفة لاعتبرت زيادة العدد وهي بينات معتبرة إجماعا، فيكون اعتبارها أولى من الصفة، ولا يعتبر العدد فلا تعتبر الصفة الضعيفة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن وصف العدالة مطلوب في الشهادة، وهو موكول إلى اجتهادنا، وهو متزايد في نفسه، فما رجحنا إلا في موضع اجتهاد لا في موضع التقرير‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنا لا ندعي أن الظن كيفما كان يعتبر، بل ندعي أن مزيد الظن بعد حصول أصل معتبر، كما أن قرائن الأحوال لا تثبت بها الأحكام والفتاوى، وإن حصلت ظنا أكثر من البينات والأقيسة وأخبار الآحاد، لأن

/ 10الشرع لم يجعلها مدركا للفتيا والقضاء، ولما جعل الأخبار والأقيسة مدارك للفتيا دخلها الترجيح إجماعًا، وكذلك هاهنا أصل البينة معتبر لعد العدالة والشروط المخصوصة فاعتبر فيه الترجيح‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن الترجيح بالعدد يفضي كثرة النزاع، وطول الخصومات، فكما رجح أحدهما بمزيد سعى الآخر وطلب الإمهال ليحصل زيادة بينته فيطول النزاع، وليس في قدرته أن يجعل بينته أعدل فلا يطول النزاع، ولأن العدد مقرر بعين ما تقدم، فامتنع الاجتهاد فيه، بخلاف وصف العدالة، وكذلك أنه يختلف باختلاف الأمصار والأعصار، فعدول زماننا لم يكونوا يقبلون في زمان الصحابة، وأما العدد فلم تختلف البتة مع أنا نلتزم الترجيح بالعدد على أحد القولين عندنا‏.‏